ميراث الأرامل- زواج مشخوط وقصائد أبو شوارب
المؤلف: علي بن محمد الرباعي09.14.2025

حينما ذاع خبر خطبة ابن عمه (مشخوط) على جارتهم (أُم المراكي)، لم يذق (شاخط) طعم النوم، وظل طوال الليل يتقلب في فراشه، هاتفًا بعبارات الغضب: «أعقب يا بو كهيل إن كان تنزي على وجهك ما تشاورني». فطلبت منه زوجته أن يهدأ وينام، وإذا بزغ الفجر، فليذهب إليه ويوبخه، فرد عليها بحدة: "امسي الله لا يمسيك بالخير يا ملقطة الروايا، ليش تعلميني ما خليتيني أرقد وبكرة وخير وإلا لسانك يأكلك؟" فأجابت: "ابن عمّك ما حد سوّى سواته، ولو ما علمتك أصبحت تتخزى فوقي وتقول تسيرين من دخش في دخش ولا تجيبين لي العلوم يا الداشرة!!"
وما إن بزغ النهار، حتى لف عمامته على رأسه، وارتدى معطفه الأسود المهترئ، الذي رُقع بقماش أبيض، وأدخل ذراعيه في الأكمام، ثم فتش جيوب المعطف، وأخرج غليونه، وطلب من زوجته أن تحضر له جمرة ليشعل بها تبغه، فقالت: "ما بعد فكيت ريقك يا مخلوق"، فرد بصوت خافت: "قلبها مني والله يا سعدها لو تغمّض وتفتّح ما تلقى لي الطاري؛ وتظلّي تلعب شمطه، ثم صعق عليها هات الجمرة، ما كل من فكّ ريقه ينسمح طريقه."
انطلق (شاخط) إلى بيت (مشخوط)، فوجده واقفًا على العتبة، يلتقط القمل من سرواله، فبادره بالسؤال دون تحية أو مقدمات: "اعلمني وش أغداك تنكح مرة ندّة أُمك يا منصول الخوش؟"، فأجابه ببرود: "معها مرزق، وابن عمك جيب خاوي، وبطن طاوي، وعيشة حقاوي، ولو ما يرزقني ربي منها إلا بولد يشيل اسمي بعد موتي"، فجز على أسنانه بغضب، وقال: "يشيل اسمك لا تُكن من بني مقرن، ومنين يجيها عيال."
أكمل (شاخط) تدخين غليونه، بينما العريس منشغل بملاحقة القمل، فما أمسكه بأصبعه، وما تسلل إلى جسده، فيفركه بين السبابة والإبهام، ويشفط ريقه مع كل لدغة، فيصدر صوتًا كخشخشة النيص بين الحشيش، فتأمل (شاخط) حاله ورثى لهُ، سيقانه نحيلة كقلموز الجرادة، والخرابة التي يسكنها لا تقوى الكلاب على سكناها، فاغتاظ من نفسه لأنه غضب عليه، وقال: "تدري يا ابن العم، الله يجعلها ساعة مبروكة، وأنت لا معك مال وهي ما عد فيها عيال"، فالتبس سرواله، واقترب من ابن عمه، وهمس في أذنه: "تقول ما بعد قطعتها العادة"، فاتجه (شاخط) نحو القبلة، ورفع كفيه إلى السماء، وقال: "الله يا من يقل معك عقل يأخذ عقله."
تيقن (شاخط) أن اللوم سيعود عليه؛ فهو آخر شيبان عائلة (العُبعُبه)، والعين التي لا تذرف الدمع لا خير فيها، فطلب من (مشخوط) أن يسبقه ليحضر الحمارة من المرعى ويسقيها، وعندما وصل إلى السوق، وجد العروس (أم المراكي) تعرض بضاعتها من غزل ومنافيش وبخور، فالتفت إلى (مشخوط) وقال: "هي تيه اللي بتاخذها، تتميجغ في هروجها ولبانتها لها طقطقه في حلقها؟"، فلم يرد عليه، وجره بيده قائلاً: "تعال نتفاول عند فاضل ونشرب البراد."
وبينما هما يتناولان صحن الفول والتميس، مر بهما تاجر المواشي (بعير)، الذي كان أهله وأهلهم يتعاونون في تربية الثيران، فترجل من ناقته لتهنئة العريس، ولكي يرفع من معنوياته، أقسم بالله أنها أصيلة تساوي مئة رجل، فعلق (شاخط) بتهكم: "مية من عيّنتك وعيّنة مشخوط"، فارتفعت أصوات الضحكات في المقهى، لأن الجالسين كانوا متقاربين ويسمعون حديث بعضهم.
انصرفوا ومعهم البقرة التي اشتروها كهدية للعروسين، فاستقبلهم الفقيه أسفل الدار، ولأنه يهاب (شاخط) تظاهر بالجهل، وسألهم: "ما شاء الله، كيف اشتريتموها (منيحة وإلا ذبيحة)؟"، فأجابه (شاخط): "قِرى لصدة رفيقك"، فقال الفقيه: "ما علّمني"، فحلف (شاخط) بأنه يعلم وإنها من تدبيره، فغضب الفقيه وهم بالقسم، فنهرة (شاخط) قائلًا: "لا تحلف، والله لو كانت لحيتك واصلة كراعينك ما أصدقك"، فقال الفقيه: "العانيّة مني كيس حنطة"، فرد (شاخط): "ما قعدنا في حراك يا السحار، ما لك خير في أبوك ولا أخوك ولا ولدك، لهطت الأول والتالي"، فتدخل (مشخوط) محاولًا تهدئة الموقف: "تعوذوا من الشيطان"، وإذا بالعروس تمر بجانبهم، ورائحة الكادي تفوح منها، ففك حبل البقرة وكشر، فصاح عليه (شاخط) أن البقرة ستشرد، وأضاف: "دخت يا مقصّع القِذان ما ضريت بالهياله!!!"
حضر الفقيه لعقد القران، وسأل (مشخوط) عن ولي أمر العروس، فرد (شاخط) قائلًا: "وليّها أبو حميميق"، ولكي تغيظ (شاخط)، وضعت العروس جمرتين في المبخر، وأخرجت علبة من أدواتها، ووضعت جاويًا وضفرًا، ودارت على الحاضرين، ويوم اقتربت من (شاخط)، قالت: "أعميتنا بريحة الغليون يا صالح المالكي"، وهم بالرد عليها، إلا أن ولدها دخل عليهم، ورحب بالرجال، وقبل رأس أمه وكفها، وجلس قبالة الفقيه، فسأله عن المهر، فأجابت العروس من وراء الستار: "المهر وصل"، وتم عقد القران، وجاء يوم الزفاف.
ذهب (مشخوط) إلى النهر للاغتسال، وارتدى الثوب الذي اشترته له زوجته، وذبح أهل القرية البقرة، وأعدوا العشاء، وأقبل الشاعر أبو شوارب، فاستقبله (شاخط)، وأخذه إلى البيت، وقدم له القهوة والكسوة، وقال: "طلبت تكويه بقصيدة أبو كهيل"، وبعد العشاء عزفوا على الزير، وأنشد الشاعر قائلًا: (الذي يمشي على الشوك حافي ما عليه، ما انوس إلا زفرته يوم ياطى حرّ شوك، كنّ ما تحته جمارك وفوقه حرّ شمس، وانت يا مشخوط لا بدّ ياجيك المطر، لا تضيّع ميرتك في صعيدٍ صفصفا).
استلقى (مشخوط) مع العروس على الفراش، فأسدلت عليها نومًا عميقًا لم تستيقظ منه، فقد حشرها وانكتمت أنفاسها في كيس النوم، ولأنها مقطوعة من شجرة، لم يبكها أحد، وأصبحت القرية تهنئ (مشخوط) الذي ورث البيت والوادي، وكلما رأى (شاخط) مارًا من طريقه، قال: "عدّ تقهو بيجيني آخي الفقيه"، فيرد عليه (شاخط): "الله يجعلها تواك إنت وهو يا مبللين القوايل، ومستحلين ميراث الأرامل".